فصل: من فوائد الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن الأصم أيضا: لا تزغ قلوبنا عن كمال العقل بالجنون بعد إذ هديتنا بنور العقل. ولا يخفى تعِسفه وعدم مناسبته لقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ}. وقال أبو مسلم: احرسنا من الشيطان ومن شرور أنفسنا حتى لا نزيغ. ثم إنهم لما طلبوا أن يصونهم عن الزيغ وأن يخصهم بالهداية والرحمة فكأنهم قالوا ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقضية، ولكن الغرض ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك جامع الناس للجزاء في يوم لا ريب فيه أي في وقوعه.
فاللام للوقت، أو جامع الناس لجزاء يوم فحذف المضاف {إن الله لا يخلف الميعاد} قيل: هو كلام الله تعالى كأنه يصدقهم فيما قالوه، ولو كان من تمام قول المؤمنين لقيل: أنك لا تخلف. إلا أن يحمل على الالتفات ومعناه أن الإلهية تنافي خلف الميعاد كقولك: إن الجواد لا يخيب سائله. ولاسيما وعد الحشر والجزاء لينتصف للمظلومين من الظالمين. والميعاد المواعدة والوقت والموضع قاله في الصحاح.
واعلم أنه لا يلزم من أنه تعالى لا يخلف الوعد القطع بوعيد الفساق كما زعم المعتزلة، لأن كل ما ورد في وعيد الفساق فهو عندنا مشروط بشرط عدم العفو، كما أنه بالاتفاق مشروط بشرط عدم التوبة بدليل منفصل. قال الواحدي: ولم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب. قال بعضهم:
إذا وعد السراء أنجز وعده ** وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه

وناظر أبو عمرو بن العلاء عمرو بن عبيد فقال: ما تقول في أصحاب الكبائر؟ فقال: إن الله وعد وعدًا وأوعد إيعادًا. فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده. فقال أبو عمرو أنك أعجم لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب، لأن العرب تعدّ الرجوع عن الوعد لؤمًا وعن الايعاد كرمًا وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمكذب إيعادي ومنجز موعدي

وذلك أن الوعد حق عليه، والوعيد حق له، ومن أسقط حق نفسه فقد أتى بالجود والكرم، ومن أسقط حق غيره فذلك هو اللؤم فهذا هو الفرق بين الوعد والوعيد. على أنا لا نسلم أن الوعيد ثابت جزمًا من غير شرط بل هو مشروط بعدم العفو فلا يلزم من تركه دخول الكذب في كلام الله تعالى. ثم أنه سبحانه لما حكى عن المؤمنين دعاءهم وتضرعهم حكى كيفية حال الكافرين وشدة عذابهم فقال: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا} وقيل: المراد وفد نجران وذلك أنا روينا في قصتهم أن أبا حارثة بن عقلمة قال لأخيه: إني أعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا، ولكي إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال. فالله تعالى بيَّن أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، لكن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ.
واعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عنه كل ما كان منتفعًا به ويجتمع عليه جميع الأسباب المؤلمة. أما الأول فإليه أشار بقوله: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم} لأنهما أقرب الأمور التي يفزع إليها المرء عند الخطوب.
وإذا لم يفد أقرب الطرق إلى دفع المضار في ذلك اليوم فما عداه بالتعذر أولى ومثله {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} [الصافات: 149] {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير} [الكهف: 46]. وأما الثاني فإليه أشار بقوله: {وأولئك هم وقود النار} فإنه لا عذاب أزيد من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس: و{من} في قوله: {من الله} للبدل مثله في قوله: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28] أي بدله والمضاف محذوف تقديره لن تغني عنهم بدل رحمة الله أو طاعته شيئًا. أو في الحديث: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» أي لا ينفعه جده وحظه في الدنيا بدل طاعتك وعبادتك وما عندك وأنشد أبو علي:
فليت لنا من ماء زمزم شربة ** مبردة باتت عليها طهيان

وطهيان من بلاد الأزد. قلت: يجوز أن يقال من للابتداء تقديره من عذاب الله، والجار والمجرور مقدم حالًا من شيء أو من زائدة لتأكيد النفي التقدير: لن تغني عنهم عذاب الله شيئًا من الغناء أي لن تدفع. وقال أبو عبيدة من بمعنى عند والمعنى: لن تغني عند الله شيئًا.
قوله تعالى: {كدأب آل فرعون} يقال: دأب فلانٍ في عمله أي جدّ وتعب دأبا دؤبًا فهو دئيب. وأدأبته أنا، والدائبان الليل والنهار، والدأب العادة والشان، وكل ما عليه الإنسان من صنيع وحالة، وقد يحرّك وأصله من دأبت إطلاقًا لاسم الخاص على العام أي جد هؤلاء الكفار واجتهادهم أو شأنهم أو صنيعهم في تكذيب محمد وكفرهم بدينه كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام. ثم إنا أهلكنا أولئك بذنوبهم فكذلك نهلك هؤلاء. فقوله: {كذبوا بآياتنا} تفسير لدأبهم على أنه جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما فعلوا وما فعل بهم؟ فقيل: كذبوا بآياتنا بالمعجزات الدالة على صدق رسلنا.
{فأخذهم الله بذنوبهم} أي صاروا عند نزول العذاب كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على وجه الخلاص ألبتة. وقيل: المعنى كدأب الله في آل فرعون أي يجعلهم الله وقود النار كعادته وصنيعه في آل فرعون والمصدر يضاف تارة إلى الفاعل وتارة إلى المفعول. وقال القفال: يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى وللعادة المضافة إلى الكفار كأنه قيل: إن عادة هؤلاء الكفار ومذهبهم في إيذاء محمد كعادة من قبلهم في إيذاء الرسل، وعادتنا أيضا في إهلاك هؤلاء كعادتنا في إهلاك أولئك الكفرة. وقيل: الدؤب والدأب اللبث والدوام والتقدير: دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون. وقيل: مشقتهم وتعبهم في النار كمشقة آل فرعون بالعذاب {النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]. وقيل: المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب والمعنى: إنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد، فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد فينزل بكم مثل ما نزل بهم ولا تغني عنكم الأموال والأولاد. ويحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال وهو قوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} ثم صاروا إلى دوام العذاب وهو قوله: {والله شديد العقاب} فسينزل بمن كذب بمحمد أمران: أحدهما المحن المعجلة من القتل والسبي والإذلال وسلب الأموال وإليه الإشارة بقوله فيما بعد {قل للذين كفروا ستغلبون} والثاني المصير إلى العذاب الدائم وذلك قوله: {وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب}، وفي سورة الأنفال: {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوى شديد العقاب}، وبعدها: {كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}.
للسائل أن يسأل عن هذه الآى في ستة مواضع: السؤال الأول: الأخبار عنهم في آية آل عمران وفى ثانية الأنفال بقوله: {كذبوا} وقال في الأولى من الأنفال {كفروا}. ما وجه ذلك؟
والثانى: ما وجه اختلاف الإضافة في كذبهم وتكذيبهم؟ ففى آل عمران {بآياتنا} وفى الأولى من الأنفال {بآيات الله} وفى الثانية {بآيات ربهم}، والثالث: قوله في ثانية الأنفال {فأهلكناهم بذنوبهم} وفى الأخريين {فأخذهم الله بذنوبهم}، والرابع: قوله في سورة آل عمران {والله شديد العقاب}، وفى الأولى من الأنفال {إن الله قوى شديد العقاب} ولم يرد في الثانية هذا الوصف، والخامس: تفصيل العقاب في ثانية الأنفال ولم يرد في الآخريين ذلك التفصيل، والسادس: تعلق المجرور من قوله: {كدأب آل فرعون} وليس هذا مما بنى عليه هذا الكتاب إلا أنه تتمة.
والجواب عن الأول: أن آية آل عمران لما تقدم قبلها ذكر تنزيل الكتب الثلاثة والإشارة إلى ما تضمنته من الهدى والفرقان وإنما أتى على من كفر بصده عنها وتكذيبه ناسب ذلك قوله تعالى: {كذبوا بآياتنا} ولما لم يقع في سورة الأنفال من أولها إلى الآية الأولى من الآيتين ذكر شيء من الكتب المنزلة ولا ذكر إنزالها وإنما تضمنت حال المسلمين مع معاصريهم من كفار العرب ومعظم ذلك في قتالهم وحربهم ناسب ذلك التعبير بالكفر فقال تعالى: {كفروا بآيات الله} ثم لما تلتها الآية الأخرى من غير طول بينهما وقع التعبير فيها بالتكذيب فقال: {كذبوا بآيات ربهم} وعدل عن لفظ كفروا لثقل التكرر مع القرب وليحصل وسمهم بالكفر والتكذيب.
والجواب عن السؤال الثانى: أن الآية الأولى من سورة الأنفال إنما جئ فيها بالاسم الظاهر فقيل {كفروا بآيات الله}، لتقدم ذكر الملائكة في قوله: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} بنسبة الفعل للملائكة وتقدم أيضا {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} ولم يتقدم في آل عمران ذكر فعل لغير الله تعالى ولا نسبة شيء لسواه فجئ بآيات مضافة إلى ضميره تعالى فقال: {كذبوا بآياته} على طريقة الالتفات وجاء في الأنفال {كذبوا بآيات الله} بالإضافة إلى الاسم الظاهر ليعلم أن الأمر له عز وجل وأنه مريهم الآيات ولا فعل إلا له وأن الملائكة مسخرون بأمره وفعلهم من خلقه وتزيين الشيطان لهؤلاء الكفار إنما هو بقدر الله وسابق مشيئته وكل ذلك خلقه وملكه والآيات آياته وله المثل الأعلى وقيل في الثانية {بآيات ربهم} ليجرى مع ما تقدمه متصلا به من قوله تعالى: {ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم} فذكر ابتداءه بالنعم فناسبه ذكر ملكيته سبحانه لهم بقوله: {بآيات ربهم} فهو المحسن والمالك ثم جرى القدر بما سبق لهم فإيراد قوله: {كذبوا بآيات ربهم} مع ما تقدم أوقع في نفوسهم وأشد في تحسرهم وندامتهم إذا شاهدوا الأمر فعلموا أنه مالكهم وأنه ابتدأهم بالنعم فغيروا فحصل من ذلك أنهم قابلوا نعم ربهم بالكفر مع بيان الأمر ووضوحه ولو قيل: بآيات الله لما أحرز هذا المعنى المعرف بملكيته لهم والمشير لندامتهم وتحسرهم ولا خفاء بالفرق بين قول القائل لمن كفر بنعمة الله: إنما كفرت بنعمة مالك المحسن إليك ومبتديك بالنعم وبين أن لو قيل له: إنما كفرت بنعمة الله فتأمل ما بينهما ولهذا ابتدئ دعاء الخلق في سورة البقرة إلى الإيمان بقوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} إلى آخر الآية.
والجواب عن السؤال الثالث: أنه قصد في الآية الثانية من الأنفال تفصيل عقابهم بإغراق آل فرعون وأخذ من عداهم بغير ذلك وقال: {فأهلكناهم بذنوبهم} ليخالف قوله تعالى في الآية قبل: {فأخذهم الله بذنوبهم} لاسثقال لفظ التكرار فيما تقارب ولما قصد من التفصيل وقد ضم الفريقين من المهلكين بذنوبهم والمغرقين في قوله: {وكل كانوا ظالمين}.
وعن الرابع أن قوله تعالى في الآية الأولى من الأنفال: {إن الله قوى شديد العقاب} مقابل به قول الشيطان لمن قدم ذكره من الكفار: {لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم} فقوبل قوله المضمحل بإسناد القوة لله- عز وجل- كما قال تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا} الآية، ولما لم يرد في سورة آل عمران مثل هذا وقع الاكتفاء بقوله: {والله شديد العقاب} وزيد التأكيد في أول الأنفال بـ {إن} وزيادة اسمه سبحانه القوى لما ذكرنا آنفا من رعى التقابل.
والجواب عن السؤال الخامس ما قيل في الجواب عن السؤال الثالث من قصد التفصيل ثم إن الوجه في تخصيص هذا الموضع بذلك أنه آخر موضع وقع التذكير فيه بعبادة آل فرعون في تكذيبهم وأخذهم بكفرهم والترتيب الذي استقر عليه الكتاب العزيز متوقف على الآتى به صلى الله عليه وسلم وقد بينا ذلك في غير هذا وأن من ظن أن الترتيب من قبل الصحابة فقد غفل وذهب عما بنى عليه من جليل الاعتبار وسنذكر ذلك في سورة القمر إن شاء الله.
والجواب عن السؤال السادس: أن الكاف متعلقة بمحذوف هو الخبر للمبتدأ المقدر إذ التقدير دأبهم أو دأب هؤلاء أو هذا كدأب آل فرعون وما قدر الناس من التعلق بقوله: وأولئك وقود النار أو غير هذا من التقدير لا يرجح عند الاختبار ويضعف تقدير ذبلك في ثانية الأنفال ويتكلف في الأولى منها ولا يحسن معه المعنى ولا يفوز وفى استقلال الجملة من قوله: {كدأب آل فرعون} وعدم التعلق الاعرابى بما قبله في جملة أخرى جزالة النظم وقوة المعنى فتأمله.
والجواب عن السؤال السادس: أن الكاف متعلقة بمحذوف هو الخبر للمبتدأ المقدر إذ التقدير دأبهم أو دأب هؤلاء أو هذا كدأب آل فرعون وما قدر الناس من التعلق بقوله: {وأولئك هم وقود النار} أو غير هذا من التقدير لا يرجح عند الاختبار ويضعف تقدير ذلك في ثانية الأنفال ويتكلف في الأولى منها ولا يحسن معه المعنى ولا يفوز وفى استقلال الجملة من قوله: {كدأب آل فرعون} وعدم التعلق الإعرابى بما قبله في جملة أخرى جزالة النظم وقوة المعنى فتأمله. اهـ.

.من لطائف القشيري:

أصرُّوا في العتوِّ على سَنَنهم، وأدَمْنَا لهم في الانتقام سَنَنَا، فلا عن الإصرار أقلعوا، ولا في المَبَارِّ طَمعوا، ولعمري إنهم هم الذين نَدِموا وتحسَّرُوا على ما قدَّموا- ولكن حينما وجدوا البابَ مسدودًا، والندمَ عليهم مردودًا. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وساعة تسمع كدأب كذا فالدأب هو العمل بكدح وبلا انقطاع فنقول: فلان دأبه أن يفعل كذا أي هو معتاد دائمًا أن يفعل كذا. أو نقول: ليس لفلان دأب إلا أن يغتاب الناس.
فهل معنى ذلك أن كل أفعاله محصورة في اغتياب الناس، أو أنه يقوم بأفعال أخرى؟ أنه يقوم بأفعال أخرى لكن الغالب عليه هو الاغتياب، وهذا هو الدأب. فالدأب هو السعي بكدح وتوالٍ حتى يصبح الفعل بالتوالي عادة. إذن فقوله الحق: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي كعادة آل فرعون. وآل فرعون هم قوم جاءوا قبل الرسالة الإسلامية، وقبلهم كان قوم ثمود وعاد وغيرهم.
ويلفتنا الحق سبحانه إلى أن ننظر إلى هؤلاء ونرى ما الذي حدث لهم، أنه سبحانه لم يؤخر عقابهم إلى الآخرة؛ لأنه ربما ظن الناس أن الله قد ادخر عذاب الكافرين إلى الآخرة؛ لأنه قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران: 10].
لا، بل العذاب أيضا في الدنيا مصداقًا لقوله الحق: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ} [الرعد: 34].
إن العذاب لو تم تأجيله إلى الآخرة لشقي الناس بالأشقياء، لذلك يأتي الله بأمثلة من الحياة ويقول: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي كعادة آل فرعون، ولا تصير مسألة عادة إلا بالكدح في العمل، وكان دأب آل فرعون هو التكذيب والطغيان وادّعاء فرعون الألوهية.
ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ} فصار الدأب منهم، ومما وقع بهم، فإذا كانوا قد اعتادوا الكفر والتكذيب فقد أوقع الله عليهم العذاب. لقد كان دأب آل فرعون هو التكذيب، والخالق سبحانه يجازيهم على ذلك بتعذيبهم، ولتقرأ إن شئت قول الحق سبحانه وتعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَالَّيلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 1- 14].
فدأبهم التكذيب وجزاء الله لهم على ذلك هو العذاب والعقاب. إذن فقوله الحق: {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي أوقع بهم العذاب في الدنيا، وكانت النهاية ما كانت في آل فرعون وثمود ومن قبلهم من القوم الكافرين.